نبض أرقام
17:54
توقيت مكة المكرمة

2024/06/02

"مفارقة تريفين".. تكلفة السيطرة على عملة الاحتياط العالمية ونبوءة انهيار "برايتون وودز"

2019/08/11 أرقام - خاص

في عام 1960، وقف الاقتصادي الأمريكي من أصل بلجيكي "روبرت تريفين" أمام الكونجرس ليدلي بشهادته، ولم يتردد للحظة في توجيه النقد اللاذع لنظام "برايتون وودز"، الذي قال إنه حُكم عليه بالفشل لأنه لن يحقق التوازن المطلوب لضمان استقرار الاقتصادين المحلي والعالمي.

 

كلمات "تريفين" الذي سبق له مهاجمة "برايتون وودز" مرارًا وتكرارًا في مناسبات وكتابات عديدة، كانت بمثابة إعلان ميلاد مفهوم اقتصادي جديد هو "معضلة تريفين" أو "مفارقة تريفين" والتي تشير إلى قدر كبير من التعقيد في جهود إدارة عملة الاحتياط العالمية.

 

 

يعتقد الكثيرون أن تحكم الولايات المتحدة في عملة الاحتياط الأولى عالميًا يمنحها نفوذًا كبيرًا -ربما بطريقة غير عادلة للأطراف الأخرى-، ولعل ذلك ما يدفع العالم للهرولة بحثًا عن تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار والاعتماد على عملات أخرى مثل اليورو واليوان، وحتى خلق أنظمة مالية مستقلة.

 

قد يكون الاعتماد على عملة واحدة في بناء الاحتياطيات أمرًا سيئًا، وقد يكون التفكير في اليوان كبديل مستقبلي للدولار من باب الحكمة، وربما تسيئ الولايات المتحدة بالفعل استخدام نفوذها في النظام المالي العالمي، لكن في الحقيقة؛ امتلاك العملة الأكثر أهمية على مستوى العالم لا يأتي مجانًا.

 

تكلفة امتلاك عملة الاحتياط العالمية كبيرة، ويتبعها عواقب خطيرة، وهو بالضبط ما أمضى "تريفين" عمره يحذر منه، وكان الوقت وحده كفيلًا بإثبات صحة مخاوف الاقتصادي الذي ظلت أفكاره نابضة بالحياة بعد ربع قرن على وفاته.

 

ما هي مفارقة "تريفين" بالضبط؟

 

- رأى "تريفين" أن توقف الولايات المتحدة عن تسجيل عجز بميزان المدفوعات، يعني خسارة المجتمع الدولي أكبر مصدر لتدفق الاحتياطيات النقدية، ومع نقص السيولة سيُدفع بالاقتصاد العالمي إلى دوامة انكماشية وسلسلة من الاضطرابات وعدم الاستقرار.

 

 

- في المقابل، فإن استمرار العجز في الولايات المتحدة، يضمن تواصل تدفق الدولارات إلى النظام العالمي ودفع النمو، ومع ذلك، فإن العجز المفرط في البلاد (يطلق عليه تخمة الدولار) من شأنه أن يؤدي إلى تآكل الثقة في قيمة الدولار.

 

- غياب الثقة في الدولار، تعني عدم قبوله كعملة احتياط عالمية، ومعها قد ينهار نظام سعر الصرف الثابت، مما يؤدي إلى عدم استقرار واسع النطاق، لذا كان يرى "تريفين" أن "برايتون وودز" سيفشل لعدم قدرته على التوفيق بين ميزان المدفوعات الأمريكي وخلق سيولة دولية كافية لتطوير التجارة والاقتصاد العالميَين.

 

- بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا خلال خمسينيات القرن الماضي، كان يعني تفاقم عجز ميزان المدفوعات الأمريكي أن العالم مزود بسيولة كبيرة، ما تسبب في زيادة الاحتياطيات الدولارية بشكل هائل لدى البنوك المركزية، في أوروبا واليابان تحديدًا.

 

- نظرًا لأن الولايات المتحدة تعهدت بموجب نظام "برايتون وودز" بتحويل الدولارات إلى ذهب، ومع طلب البنوك المركزية استرداد السبائك مقابل الدولار، انخفضت احتياطيات المعدن النفيس لدى أمريكا إلى مستويات خطيرة (على حد وصف موقع صندوق النقد الدولي).

 

صدق نبوءة "تريفين"

 

- مع استمرار بناء الاحتياطيات لدى البنوك المركزية، تجاوزت الدولارات التي تمتلكها حجم الاحتياطيات الذهبية لدى الولايات المتحدة، وعند هذه النقطة بدأ تآكل الثقة في الاعتقاد بأن العملة الأمريكية ستظل قابلة للتحويل إلى ذهب بسعر 35 دولارًا للأوقية.

 

 

- توقع "تريفين" انهيار النظام لعدم قدرته على ضمان بقاء السيولة الدولارية والثقة العالمية، لكن تحذيرات الاقتصادي المحنك الذي شغل عدة مناصب عريقة في ذلك الوقت منها منصب المستشار الاقتصادي للإدارة الأمريكية، ضُرب بها عرض الحائط.

 

- اقترح "تريفين" إنشاء وحدات احتياطات جديدة لا تعتمد على الذهب أو العملات، لكنها ستزيد إجمالي السيولة العالمية، وقال إن وجود مثل هذه الأدوات يسمح للولايات المتحدة بتخفيض العجز في ميزان المدفوعات مع السماح للاقتصاد العالمي بالنمو.

 

- منذ فترة طويلة تأخرت عملية الإصلاح الأساسية للنظام النقدي الدولي، لقد أصبح اليوم أكثر وضوحًا من حيث الضرورة الملحة بسبب التهديد الوشيك للدولار الأمريكي القوي، كان ذلك جزءًا من كلمات ألقاها "تريفين" في نوفمبر عام 1960.

 

- مع ذلك، فإن مقترحاته قوبلت بالتجاهل حتى عام 1971، عندما أصبحت فرضيته حقيقة واقعة، ما أجبر الرئيس الأمريكي آنذاك "ريتشارد نيكسون" على عدم السماح بتحويل الدولار إلى ذهب بعد ذلك الوقت، فيما عرف باسم "صدمة نيكسون" والتي سقط معها نظام "برايتون وودز" فعليًا.

 

 

إعادة إحياء مقترحات "تريفين"

 

- ما زال البعض حتى يومنا هذا يختلفون حول "مفارقة تريفين" ومدى حاجة العالم لمقترحاته من أجل حسم هذه المعضلة وتحقيق التوازن بين المتطلبات الوطنية الأمريكية (أو أي دولة لديها عملة احتياط رئيسية) وبين حاجة الأسواق العالمية من السيولة.

 

- في 2015، قال "ترافيس بارتون" مؤسس "ديجينوميكس" للأخبار والدراسات المتعلقة بالتوجهات الرقمية وعلى رأسها العملات الافتراضية: إدارة مستويات الادخار الوطنية إلى جانب السيولة الدولية لا تزال تشكل عائقًا أمام النمو الاقتصادي، ومع ذلك فهناك حل.

 

- اقترح "بارتون" استخدام العملة الرقمية (الأوسع انتشارًا والأكبر قيمة) كبديل لعملة الاحتياط العالمية، مضيفًا: إذا كنا نفترض أن الشروط المسبقة للعملة القادرة على حسم مفارقة "تريفين" هي الاستقرار ووجود قواعد وجدول للمعروض يمكن إدارته، فإن "بتكوين" هي الأنسب.

 

- مع ذلك، فإن مخاوف البنوك المركزية العالمية والحكومات من هذه العملة واسعة، وتم توجيه الاتهامات إليها هي وقريناتها بتسهيل الأعمال غير المشروعة لعدم خضوعها للرقابة، لكن يبدو أن مقترح العملات الرقمية لم يرفض بشكل مطلق.

 

 

- كإضافة وتطوير لمقترحات "تريفين" الذي وافته المنية عام 1993 عن عمر 81 عامًا، وإقرارٍ باستمرار المعضلة، قال نائب رئيس قسم الأبحاث لدى الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس "ديفيد أندولفاتو"، إن العملات الرقمية قد تكون حلًا للمفارقة القائمة منذ 50 عامًا ونهاية لمشكلة تضارب المصالح الدولارية.

 

- قال "أندولفاتو" في أكتوبر الماضي: معضلة "تريفين" سلاح ذو حدين متمثل في امتلاك عملة تلعب دورًا عالميًا رئيسيًا في تشكيل الاحتياطيات وللحفاظ على هذا الدور ينبغي على الدولة تحمل العجز، لكن العملات الرقمية إذا حلت محل هذه العملة فإنها ستقضي على هذه المفارقة.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة