نبض أرقام
07:28
توقيت مكة المكرمة

2024/05/20
2024/05/19
15:21

عكس كل الاحتمالات.. كيف انضمت "حالة ميؤوس منها" لنادي أغنياء العالم؟

2020/07/25 أرقام - خاص

"يجب أن يؤدي ضغط عدد السكان حتماً إلى تقليل نصيب الفرد من الدخل الحقيقي، ومع مجتمع مليء بالصراعات السياسية فإن التوقعات ضعيفة لحدوث تنمية".. هذه كانت كلمات "جيمس ميد" الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عن رؤيته لمستقبل موريشيوس في عام 1961.
 

لكن الجزيرة الواقعة على الساحل الشرقي لقارة إفريقيا لم تثبت خطأ وجهة نظر "ميد" فحسب، لكنها تمكنت مؤخراً من دخول نادي الدول الثرية عبر التصنيف الأخير للبنك الدولي.
 

  

فقر وبطالة وضعف
 

وللإنصاف، لم تكن توقعات عالم الاقتصاد البريطاني خارجة عن المألوف في هذا الوقت، بل أن حائزاً آخر على الجائزة نفسها بعد 11 عاماً وهو "في.إس نايبول" وصف موريشيوس بأنها دولة لا يمكنها النجاة وحدها وتحتاج للانضمام لكيان أكبر.
 

والواقع أن حديث الحائزين على جائزة نوبل للاقتصاد عن الدولة الصغيرة والبالغ مساحتها نحو 2000 كيلومتر كان متماشياً مع الواقع السيئ بالفعل آنذاك.

 

فالجزيرة التي تقع على ساحل المحيط الهندي لا تمتلك أي ثروات طبيعية مثل النفط أو الغاز أو الألماس والذهب، كما أنها بعيدة عن مراكز التجارة العالمية.
 

وتعرضت موريشيوس عبر تاريخها لأزمات متعددة بسبب تعاقب المحتلين سواء من الهولنديين الذين قتلوا طائر "الدودو" الشهير واقتلعوا أشجار الأبنوس، أو من الفرنسيين ثم البريطانيين لاحقاً.
 

والبلد الذي اكتشفه البحارة العرب قديماً كان وقت حصوله على الاستقلال من الاحتلال البريطاني في مارس عام 1968 غارقاً في بحر من الفقر والضعف الشديد.
 

وكان متوسط دخل الفرد عند الاستقلال يبلغ حوالي 400 دولار سنوياً، مع اعتماد اقتصاد موريشيوس على الزراعة وتحديداً محصول السكر.
 

كما أن المساحة الصغيرة واعتبارها بعيدة عن مراكز الانتشار السكاني والنشاط الاقتصادي العالمي والتوترات العرقية الشديدة بين السكان ومعدل البطالة المرتفع كلها كانت عوامل سلبية تدعم أي رؤية قاتمة لمستقبل البلاد.
 

الطريق نحو المعجزة
 

مرّت الدولة بالمراحل الثلاثة التقليدية للتطور والمتمثلة في قطاع السلع الأولية ثم التصنيع ونهاية باقتصاد الخدمات.
 

  

وبعد الحصول على الاستقلال مباشرة بدأت موريشيوس في التوجه نحو تنويع الاقتصاد ودعم التصنيع بدلاً من الاعتماد على السلع الزراعية.
 

وقامت بعمل منطقة خاصة بالتصنيع والتركيز على سياسات ضريبية وعمالية داعمة للقطاع، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة من رجال الأعمال الصينين لبدء صناعة النسيج والملابس.
 

كما قامت الدولة بجهد دبلوماسي واضح للتوصل لاتفاقات تجارية تفضيلية مع العديد من البلدان، ما يكفل لها الوصول السهل للأسواق الخارجية بدعم سياسة تنافسية لسعر الصرف تحرص على منع عقبة السعر المبالغ فيه للعملة والذي قد يضر بجاذبية السلع خارجياً.
 

وجاء التعليم والرعاية الصحية على قائمة أولويات السياسيين في موريشيوس، حيث اتجهت الدولة لإتاحة التعليم بكل مراحله وحتى الجامعي مجاناً لكل المواطنين، وهو ما تكرر بالنسبة للعلاج.
 

وفي عام 2007، وصل عدد السكان الذين يجيدون مهارات القراءة والكتابة في البلاد نحو 87% من إجمالي المواطنين.
 

  

واختارت موريشيوس التي تحولت للنظام الجمهوري في عام 1992 طريقاً غير تقليدي آخر للنمو وهو عدم وجود جيش تقريباً، حيث بلغ الإنفاق على الدفاع في نفس العام مستوى 6 دولارات لكل فرد أو ما يعادل 0.45% من الناتج المحلي الإجمالي و4% فحسب من الإنفاق على التعليم والصحة.
 

ويبتعد هذا الرقم كثيراً عن باقي دول إفريقيا جنوب الصحراء والتي يصل فيها متوسط الإنفاق على الدفاع 20 دولاراً لكل فرد وهو ما يعادل 2.8% من الناتج المحلي و43% من الإنفاق على الصحة والتعليم.
 

وتمكنت الدولة الإفريقية الواقعة على ساحل المحيط الهندي من ضرب عصفورين بحجر واحد بهذه الخطوة، الأول: توفير حيز مالي كافٍ لدعم قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة وغيرها، والثاني يتمثل في منع وقوع انقلابات عسكرية مماثلة لما شهدته كثير من الدول الإفريقية الأخرى.
 

وبعد ثورة التصنيع والتصدير التي ترتكز أساساً على النسيج والملابس، اتجهت الدولة الصغيرة إلى الاهتمام بدعم قطاع الخدمات وخاصة السياحة والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.
 

وقامت الحكومة المنتخبة في عام 2005 بالرد على انتهاء اتفاقات التفضيل التجاري عبر برنامج إصلاحي يشمل تسهيلات للأعمال تستهدف إزالة العوائق على الاستثمار والتشغيل وتيسير شروط منح المهاجرين الأكثر طلباً بالنسبة لسوق العمل حق المواطنة، بالإضافة إلى تبسيط نظام الضرائب على الأفراد والشركات.
 

ومع فقدان نسبي للمعاملة التفضيلية بالنسبة لصادرات الملابس والمنافسة القوية مع الصين في معظم الصناعات، اتجهت موريشيوس بقوة نحو الخدمات.
 

وكانت السياحة بالفعل قطاعاً قوياً ومهماً في اقتصاد البلاد، لتنضم إليه قطاعات أخرى مثل البنوك وتكنولوجيا المعلومات، خاصة مع تحول الدولة لتصبح مركزاً لصناديق الاستثمارات الخارجية "الأوفشور".
 

  

ونجحت جزيرة موريشيوس في تسجيل نمو يقارب 5% سنوياً للناتج المحلي الإجمالي على مدار 30 عاماً، بفضل الاستقرار السياسي والإدارة الرشيدة والقوانين التنظيمية الداعمة للاستثمار.
 

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لموريشيوس في عام 2019 نحو 14 مليار دولار، مع حقيقة أن عدد سكانها لا يتعدى 1.3 مليون نسمة.
 

أهلاً بكم في نادي الأغنياء
 

أعلن البنك الدولي عبر تصنيفه الأخير لدول العالم من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي بالسعر الحالي للدولار الأمريكي انضمام موريشيوس لفئة الدول الأعلى دخلاً.
 

وبلغ متوسط نصيب الفرد في الدولة الإفريقية نحو 12.740 ألف دولار سنوياً في عام 2019، لتصبح في المرتبة الـ64 عالمياً من حيث الأعلى دخلاً من أصل 186 دولة.
 

وحدد التصنيف الأخير للبنك الدولي شرطاً لدخول قائمة الدول الأعلى دخلاً يتمثل في تجاوز متوسط الدخل السنوي مستوى 12.535 ألف دولار.
 

  

وأصبح نصيب الفرد في موريشيوس من الدخل القومي في المرتبة الثانية بين دول قارة إفريقيا بعد جزيرة سيشيل.
 

وتبرز البيئة التنظيمية المصممة لدعم الاقتصاد في وجود الجزيرة الإفريقية في المرتبة العشرين عالمياً في قائمة سهولة ممارسة الأعمال أو Doing business في عام 2019 متفوقة على دول مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وكندا واليابان.
 

كما احتلت موريشيوس المرتبة الأولى بين دول قارة إفريقيا والثانية والخمسين عالمياً في تنافسية الاقتصاد بالعام الماضي.
 

وتراجع معدل عدم المساواة في الدخل داخل البلاد من 45.7% في عام 1980 إلى نحو 38.9% في عام 2006، كما انخفض معدل الفقر الذي يقاس بمن يعيشون بأقل من دولار يومياً دون 1% من عدد السكان.
 

وحتى فيما يخص وباء "كوفيد-19" العالمي، نجحت الدولة الإفريقية في إعلان نهاية الفيروس على أراضيها والعودة للحياة الطبيعية بعد إصابة 337 شخص ووفاة 10 منهم وتعافي الباقي.
 

ونجحت تدابير الإغلاق الجادة والمشددة منذ العشرين من مارس الماضي في السيطرة على الوباء وتحجيم انتشاره في البلاد.
 

وبعد أعوام من إثبات خطأ توقعات بعض علماء الاقتصاد حول مستقبل الدولة الصغيرة، تقدم موريشيوس الآن بانضمامها لنادي الدول الغنية درساً في كيفية تحدي الصعوبات الجغرافية والطبيعية من خلال الرهان على الثروة البشرية وقوة المؤسسات.

 

المصادر:  البنك الدولي – تقرير- doing business  الجارديان – بي بي سي – سي إن إن

دراسة Mauritius: African Success Story - The Harvard community

دراسة Progress in economic conditions in Mauritius: Success against the odds

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة