نبض أرقام
17:37
توقيت مكة المكرمة

2024/06/02

توقع غير المتوقع .. لا تغلق عينيك واستعد لكل الاحتمالات في سوق الأسهم

2020/10/10 أرقام - خاص

"أن تتوقع ما هو غير متوقع فإنك تظهر عقلاً راجحاً بشكل كامل"، هكذا يتحدث الكاتب الشهير "أوسكار وايلد" في إحدى مسرحياته في عام 1895.


وبعد 125 عاماً، جاء وباء "كورونا" ليمنح الجميع درساً لا يجب أن يٌنسى سريعاً مفاده بأن كل شيء يمكن أن يتغير في أي وقت وأننا مطالبون بتوقع كل الاحتمالات.



التوقع والاستثمار


الواقع أن عملية الاستثمار برمتها مبنية على التوقع، مَن يشتري سهماً ما يقوم بذلك لأنه يتوقع ارتفاعه في المستقبل، بينما البائع يرى أنه سيتجه للهبوط وحان وقت الخروج منه.


لكن مشكلة التوقعات هي أنها قد لا تصدق أحياناً، سواء بسبب خطأ المدخلات التي أدت بالمستثمر إلى هذا الرأي منذ البداية، أو مع ظهور متغيرات مفاجئة لم تكن في الحسبان.


وهنا يظهر السؤال: كيف ستتصرف إذا حدث عكس ما توقعت؟


بالنسبة لكثير من المستثمرين فإن هذا السؤال يظل بلا إجابة حتى وقوع المفاجأة بالفعل، وحينها قد يكون الأمر متأخراً جداً.


للأسف يمتلك بعض المستثمرين ما يطلق عليه في علم النفس تحيز الثقة الزائدة، أنه شعور زائف وخادع حول القدرات الشخصية والذكاء والقدرة على التوقع والتحكم في الأمور.


ويمنع هذا التحيز المستثمر من النظر إلى أبعد من توقعه الأول، يدفعه لتجاهل الاحتمالات الأخرى سواء لأنه واثق جداً في رؤيته أو لأن الوضع الحالي للسوق يؤكد وجهة نظره.



الأمر الآخر أنه عادة ما يعتقد الكثيرون أن الاتجاه السائد في السوق سوف يستمر خلال الفترات التالية، والأزمة كما يقول "ديف جودسيل" المدير التنفيذي لمركز "ناتيكسيس إنفستور إنسايت" إن المستثمرين يميلون إلى الاستنباط، إنهم يعتقدون أنه إذا كان السوق مرتفعاً فإنه سيظل مستمراً في هذا الاتجاه، وإذا كان منخفضاً فإن الهبوط سوف يتواصل.


في اليابان مثلاً شهد سوق الأسهم قفزة قياسية في ثمانينيات القرن الماضي وهو ما اعتقد الكثيرون أنه سوف يستمر بالنظر إلى طفرة النمو الاقتصادي، لكن ما لم يتوقعه أحد هو أن السوق سيفقد معظم قيمته في غضون أشهر قليلة، بل أنه حتى بعد مرور 23 عاماً سيظل أقل 75% مما كان عليه إبان الذروة.


وما يتناساه البعض هو أن أي استثمار غير مُلزم بتحقيق العائد المتوقع من جانبك، لأن الأمر في النهاية عبارة عن نشاط غير مؤكد يحتمل السير في أي اتجاه.


المفاجآت تحدث.. كثيراً


استمر السوق الصاعد في "وول ستريت" طوال 11 عاماً كاملة كاسراً كل الأرقام القياسية السابقة، قبل أن ينتهي بفعل حدث غير متوقع تمثل في الوباء العالمي.



لكن الواقع أن التحولات الحادة في الأسواق المالية تحدث لأسباب كثيرة وبشكل متكرر، رغم أن بعض المستثمرين يعتقدون عادة في ندرتها.


مثلاً، استمرت أسعار الذهب مرتبطة بالدولار الأمريكي عند سعر ثابت يبلغ 35 دولاراً لكل أوقية طوال ثلاثين عاماً، قبل أن يتفكك معيار الذهب في بداية سبعينيات القرن الماضي ويقفز سعر المعدن إلى 600 دولار بحلول عام 1980، ثم يهبط بأكثر من 50% في السنوات التالية وحتى نهاية الألفية الثانية.


مشهد آخر يظهر تاريخياً من خلال معدلات الفائدة الأمريكية والتي اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي لرفعها إلى 20% تقريباً في ثمانينيات القرن الماضي مع قفزة التضخم، قبل أن تتراجع تدريجياً حتى وصلت إلى نطاق يتراوح بين صفر و0.25% حالياً.


حتى على مستوى النفط، وبعد أن وصل سعر خام برنت لمستوى 140 دولاراً للبرميل في عام 2008، انخفض بشكل حاد لاحقاً ليصل في أبريل الماضي إلى نقطة لم يتخيل أحد أنها ممكنة على الإطلاق: السعر بالسالب.



الفكرة هنا أنه بصرف النظر عن الأسباب والمتغيرات، فإن النتيجة هي أن كل شيء مهما كان مستبعداً ولا يتماشى مع الاتجاه العام يظل محتملاً.


عند النظر إلى المستقبل ومحاولة توقع أحداثه، فإنه من المهم أن ننظر إلى الماضي لنرى أسوأ أو أفضل الاحتمالات الممكنة تاريخياً.


لكن احذر من السماح للماضي بالسيطرة على توقعاتك المستقبلية، ففي النهاية يقتصر دور التاريخ على إخبارنا بما حدث وليس ما سيحدث.


فمثلاً، لم يسبق أن تراجع سوق الأسهم الأمريكي بنسبة 30% في خمسة أسابيع فحسب عبر تاريخه، لكن هذا ما حدث بالفعل إبان ذروة ذعر "كورونا".


ومثلما كان الهبوط غير مسبوق، فإن وتيرة التعافي كانت استثنائية أيضاً، حيث ارتفع مؤشر " S&P 500" بنسبة 50% في 100 جلسة تداول فحسب لأول مرة منذ 90 عاماً.


توقع غير المتوقع


بالطبع لم يتوقع أي شخص إمكانية حدوث وباء عالمي يعصف بالاقتصادات ويجبر الملايين على البقاء في المنازل ويطلق موجة من الإفلاسات وتسريح العمالة وغيرها من تبعات "كوفيد-19".


لكن الهدف هنا ليس توقع تفاصيل الأحداث المحتملة وتداعياتها، وإنما الاستعداد لتغير الوضع بشكل كبير ولفترة غير معلومة، المستثمر يجب أن يضع كل الاحتمالات في الاعتبار عند اتخاذ قراراته.



المستثمر في أي مجال غير مطالب ولا يمكنه منطقياً أن يتوقع كل الاحتمالات التي قد تحدث بشكل تفصيلي، لكنه يجب أن يرسم خطة تنطوي على نتائج محتملة مختلفة سواء ارتفاع أو هبوط أو استقرار الأصل الذي قام بشرائه، ولا يتوقف عند توقع وحيد يحمل نتيجة ثابتة.


ربما يمنحك السوق أو السهم بشكل خاص إشارات مستمرة على اتجاه صاعد في المستقبل، لكن هذا لا يعني تجاهل احتمالات الهبوط بشكل تام.


من الطبيعي أن يتوقع المستثمر أداء سهم ما ويتخذ قراره بناءً على ذلك، لكن من المهم أيضاً أن يضع في اعتباره وجود احتمالات لحدوث مفاجآت.


يجب أن تكون مستعداً دائماً لأسوأ السيناريوهات الممكنة وأن تتوقع غير المتوقع وتخطط وفقاً لذلك من خلال استراتيجية للتحوط ضد احتمالية أن يسير الوضع على عكس ما كنت تأمل.


الأمر كله يتعلق بالتوازن بين النمو والسعي للربح من جانب، وبين ضرورة تقليص الخطر المحتمل من خلال خطة واضحة لإدارة المخاطر.


الاستثمار مثل الحياة، لا يحمل أي ضمانات ويجب أن تتوقع فيه كل شيء في أي وقت.

 

المصادر: أرقام – ذا ستريت – سي إن بي سي - أر بي إس – فيرتوس إنفيسمنت 
كتاب: The Permanent Portfolio

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة