نبض أرقام
23:53
توقيت مكة المكرمة

2024/05/19
15:21
14:03
13:49
12:21

من سهم خشاش إلى الأعلى قيمة سوقية .. فهل كل رخيص في السوق فرصة؟

2024/01/12 أرقام - خاص

"الفقير ليس بوسعه تحمل تكلفة السلعة الرخيصة".. هذا ما يقوله المثل الإنجليزي الذي يبدو مستغربًا أول الأمر، غير أن شرحه يؤكد أن الأشياء التي يتم شراؤها لأنها رخيصة فقط غالبًا ما يكون عامل السعر خدّاعًا فيتغاضى المشتري عن بقية العوامل بما يجعل السلعة تتلف سريعًا ويضطر لشراء غيرها بما يجعلها عمليًا أغلى من غيرها.

 

ولا ينطبق هذا الأمر فقط على الفقير أو على السلع، لكنه يمتد لسوق الأسهم التي كثيرًا ما تشهد تركيز بعض المتداولين على أسهم الخشاش (Penny Stocks) ويقصد بها الأسهم التي يتم تداول أسهمها بأسعار رخيصة تقريباً عن غيرها، وعادة ما تمثل شركات ذات رأس مال صغير نسبيًا.

 

 

لماذا الأسهم الرخيصة؟

 

لعل السبب الأول لإقبال البعض على شراء هذه الأسهم هو الأمل في تحقيق أرباح كبيرة وسريعة، حيث يعتقد بعض المتداولين أن الأسهم الرخيصة وسيلتهم لذلك لأن قيمتها السوقية منخفضة، وبالتالي فإن لديها مجالًا كبيرًا للنمو.

 

وتشير دراسة أمريكية إلى أن قرابة 90% من المتداولين الذين يشترون الأسهم الرخيصة يعتقدون أنها "لا تنخفض" أكثر من ذلك وأنها بوسعها الارتفاع دائما نظرًا لسعرها الرخيص، على الرغم من أن هذا ليس هو الحال دائمًا، فهناك كثير من الأسهم الرخيصة التي لا ترتفع أبدًا بل وكثيرًا ما تنخفض.

 

والشاهد أن كثيرا من المتداولين يرددون عبارات بأن شركات كبيرة في عالم اليوم بدأت مسارها في عالم أسواق المال كأسهم خشاش، وأبرزها في السوق الأمريكي أسهم مثل "أبل" (الشركة الأكبر كقيمة سوقية في نهاية 2023) و"فورد" وعملاق التصنيع الإلكتروني "إيه إم دي".

 

فلدى إدراجه في البورصة الأمريكية لم يكن سعر سهم "أبل" في يناير 1984 يتخطى 0.12 دولار، وانتظر 20 عامًا حتى تتخطى قيمته دولارًا واحدًا، بينما أغلق السهم فوق مستوى 193 دولارا في 29 ديسمبر 2023، بما يؤشر لـ"قصة نجاح" لافتة بدأت أول الأمر بسهم يعد بجدارة بمثابة سهم "خشاش".

 

تلاعب بالمتداول

 

والشاهد أن رواية قصص النجاح هذه تكون لحث المتداولين على شراء أسهم الخشاش بما يعد تلاعبًا أيضًا، لأن حالة الشركات المذكورة هي بمثابة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة بأن أكثر من 95% من أسهم الخشاش تظل كذلك، وأن كثيرًا منها تحتاج لسنوات طويلة حتى تخرج من هذه الفئة (في حالة أبل أكثر من 20 عامًا لوصول السهم لقيمة دولار واحد فقط).

 

 

والملاحظ هنا أن كثيراً من المتداولين يقعون في فخ القيمة إزاء السعر الرخيص، حيث يعتقدون أن السهم الرخيص "قيم" بالضرورة لأنه رخيص، على الرغم من أن هذا الأمر ليس حقيقيا لأن السهم قد يكون رخيصًا لسوء أداء الشركة أو صغر حجمها أو إصدارها لعدد كبير من الأسهم.

 

ويساهم سماسرة السوق كثيرًا في دعم صعود أسهم الخشاش لسهولة تسويقها للمتداول من غير ذوي الخبرة، حيث يعد كثير منهم تسويق هذه الأسهم بمثابة استراتيجية بديلة لتسويق الأسهم ذات القيمة الحقيقية، حيث يروجونها بدعوى أنه لا يمكن لها أن تشهد المزيد من الانخفاض، وأن فرصها في النمو مرتفعة.

 

والشاهد أن هذا بعيد تماما عن الحقيقة، حيث إن أكثر من 85% من الأسهم عالية المخاطرة في السوق الأمريكي هي من أسهم الخشاش، والكثير منها يستمر في مستويات سعرية متدنية لعقود وليس لسنوات فحسب.

 

ويعاني المستثمرون في أسهم الخشاش أيضا من حقيقة عدم الاهتمام بما يجري حولها من تداولات، سواء من قبل السلطات في بعض الدول أو من قبل وسائل الإعلام، لأنها تصبح أسهما تهم فئة محدودة فحسب، ولذلك تكثر عمليات التلاعب بها.

 

أمثلة واقعية

 

ومن بين أبرز الأمثلة على هذا التلاعب هو ما حدث مع شركة "بري-إكس" الكندية للتعدين، وهي شركة تم تأسيسها عام 1988 وتلاعبت في بيانات حول الاكتشافات المحتملة والمؤكدة لها، ورفعتها من مليوني أوقية إلى 70 مليون أوقية بما أدى لرفع قيمة الشركة إلى قرابة 6 مليارات دولار في غضون 5 سنوات من التأسيس فحسب.

 

ولكن انكشاف هذا التلاعب بسبب تحقيقات تلت مقتل أحد موظفي الشركة في حادث تحطم طائرة أدى لهبوط حاد في قيمة الشركة، وصل إلى حد إعلان إفلاسها بعدها بعام، وعلى الرغم من مواجهة مسؤولي الشركة لاتهامات قانونية فإن المحققين لم يتمكنوا من إدانة أي منهم، ويمكن القول إنه لولا "مصادفة" مقتل الموظف لم يكن تلاعب الشركة لينكشف.

 

ولعل كثيرا منا يتذكرون ارتفاعات وانخفاضات أسهم "فايزر" وموديرنا" إبان ذروة أزمة فيروس كورونا، حيث كان كل إعلان من الشركة عن نسبة فاعلية عقار "محتمل" أو توافر جرعات، أو أي انتكاسة في الأبحاث السريرية كفيلا بالتأثير على الأسهم الأمريكية كلها، وخاصة أسهم الشركة المعلنة.

 

 

ومن أبرز الأمثلة التاريخية على التلاعب في مجال أسهم الخشاش هو ما حصل مع شركة "جيم ستوب" بارتفاعها بنسبة تفوق 1600% بين 31 ديسمبر 2020 إلى 29 يناير 2021 أي في أقل من شهر بسبب توافق على موقع "ريديت" بالمضاربة على هذا السهم.

 

فسعر السهم شهد انخفاضًا بنسبة تفوق 85% في الشهر التالي، ثم استمر في التذبذب طيلة العام التالي بسبب استمراره كهدف لعمليات المضاربة المنظمة وغير المنظمة، وهو ما جعل كثيرين يخسرون أموالًا طائلة، لا سيما من دخلوا في ظل ارتفاع "مخطط" للسهم وعانوا خسائر ما بعد قرارات كبار المستثمرين بالبيع.

 

حتى المستثمر "الجاد" يتضرر

 

كما تبرز حالة شركة "إيه إم سي" الأمريكية التي وصل سعر سهمها إلى 230 دولارا في منتصف يونيو 2021 من 50 دولاراً تقريباً في منتصف مايو 2021، أي أن سعره زاد بنسبة تخطت 360% في شهر واحد فحسب، وظل سعره يتذبذب بعد ذلك ولكن مع سيادة اتجاه عام للهبوط ليصل في نهاية 2023 إلى 6 دولارات للسهم.

 

وأشارت التقارير في هذا الصدد إلى وجود "تلاعب ما" لكنه "لا يمكن الجزم به"ـ أدى لهذا الارتفاع المضطرد في سعر سهم الشركة، بما تسبب في لحاق الكثير من المستثمرين بالسهم في مراحل متأخرة من المنحنى الصاعد السريع و"المغري" للغاية قبل أن يتكبدوا خسائر فادحة في وقت لاحق.

 

وتوسع التداول على "أسهم الميم" وهي الأسهم الرخيصة أو تلك التي تشهد تداولا غير منطقي عليها في السوق الأمريكية بشدة خلال عامي 2020 و2021 بسبب دخول الكثير من رؤوس الأموال غير الخبيرة إلى السوق، بما دعا "وارين بافيت" لإطلاق تصريحه الشهير بأن السوق أصبحت كثيرًا تبدو كما لو كانت مكاناً للقمار وليس للاستثمار.

 

 

وهناك عامل مهم للغاية يساهم في خداع المستثمرين –حتى الجاد منهم- في الكثير من الحالات في حالة الاستثمار في الأسهم الرخيصة حتى بعد القيام بالتحليل اللازم، فلنفترض أنه بعد تحليل بيانات الشركة المالية وتقييم مركزها في السوق واحتمالاتها المستقبلية ومضاعف ربحيتها وغير ذلك وجد المستثمر أن السهم يجري تقويمه بأقل من قيمته الحقيقية بـ50% مِثلا فهل يضمن هذا صعود السهم؟

 

ليس بالضرورة مطلقًا، فلا بد أن يوافق قطاع كبير من السوق المستثمر في تحليله واهتمامه بالشركة والقطاع لكي يصعد السهم، أو لا بد أن تظهر "دلائل" الصعود المستقبلي أو أن التقييم الحالي غير مناسب سريعا، وبالعودة إلى نموذج أبل نجد أنها احتاجت 20 عاما لتصل من 0.12 دولار للسهم إلى دولار للسهم، بينما احتاجت 19 عامًا لتصل من دولار إلى 193 دولارًا للسهم، لأن السوق كان قد بدأ يدرك "الإمكانيات المحتملة" لهذا السهم.

 

وبالنهاية فإن الرهان على الأسهم الرخيصة أو أسهم الخشاش محفوف دائما بالمخاطر، لأنه يسهل التحكم فيها من جهة، ولأن قطاعات مهمة و"ثرية" من السوق لا تهتم بها من جهة، وبالتالي يحتاج الأمر دراسة استثنائية للشركة والسوق ويبقى في النهاية رهناً لتجاوب "السوق" مع تحليلات المتداول وهو أمر يصعب تحققه في كثير من الحالات.

 

فهل هذه دعوة للامتناع التام عن الاستثمار في أسهم الخشاش؟ ليس بالضرورة، ولكن يجب الانتباه إلى أنها تحتاج دراسة استثنائية، وخبرة كبيرة للغاية بـ"طبائع السوق" وتبقى في النهاية استثمارا عالي المخاطرة.

 

المصادر: أرقام- إنفيستورز- بلومبرج- سي.إن.بي.سي- ذا ستريت- فوربس

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة