نبض أرقام
19:31
توقيت مكة المكرمة

2024/06/02

المنشآت ذات الأغراض الخاصة .. لماذا يحتاج كل المشاركين في السوق لفهم هذه الأداة جيداً؟

2019/06/12 أرقام - خاص

في الحادي والثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول عام 2017 أعلنت هيئة السوق المالية اعتماد النظام الأساسي والقواعد المنظمة للمنشآت ذات الأغراض الخاصة (Special Purpose Entities)، والتي بدأ العمل بها اعتباراً من الأول من أبريل/ نيسان الماضي.

 

والمنشآت ذات الأغراض الخاصة – التي يرمز إليها اختصاراً بـ"SPEs" – هي واحدة من الأدوات المالية ذات التركيبة المعقدة التي ربما تتسبب في دوران رأس البعض حين يحاول فهم كيفية عملها. ولكنها في النهاية ليست عصية على الفهم.

 

 

وما سنحاول فعله في هذا التقرير هو أننا سنوضح كيفية عمل هذه المنشآت بلغة السوق بعيداً عن تعقيدات المصطلحات الأكاديمية، كما سنوضح سبب السمعة السيئة التي تحظى بها لدى البعض، وكذلك مصادر الخطورة التي قد تشكلها هذه الكيانات على المساهمين والسوق بشكل عام إذا ما أسيء استخدامها.

 

لماذا هذه السمعة السيئة؟

 

رغم أن أغلبنا ربما يسمع بها لأول مرة، إلا أن المنشآت ذات الأغراض الخاصة موجودة في الأسواق المالية العالمية منذ أكثر من ثلاثة عقود. ولكنها في بداية ظهورها لم تكن تحظى بقدر كبير من الاهتمام سواء من قبل المشاركين في السوق أو من قبل الأوساط الأكاديمية إلى أن وقعت فضيحة إفلاس "إنرون".

 

قبل 17 عاماً، وتحديداً في ديسمبر/كانون الأول من عام 2001 أعلنت شركة الطاقة الأمريكية "إنرون" إفلاسها بعد ثبوت تلاعبها ببياناتها المالية وخداعها للمساهمين من خلال اتباع عدد من أساليب الغش المحاسبي التي تضمنت استخدام (أو بشكل أدق إساءة استخدام) المنشآت ذات الأغراض الخاصة.

 

فجأة أصبحت هذه الأداة المالية ملء السمع والبصر. ولكن ظهورها في مثل هذا الظرف تسبب في تكون صورة سلبية عنها لدى المجتمع الاستثماري والمالي الذي كان يتعرف عليها لأول مرة. حتى صحيفة "وول ستريت جورنال" نفسها، في تحقيقها الصحفي الشهير الصادر في الخامس من  ديسمبر/كانون الأول 2001 حول إفلاس "إنرون" أشارت إلى المنشآت ذات الأغراض الخاصة باعتبارها "شراكات" ولم تذكر كلمة "SPEs" ولو لمرة واحدة. الأغلبية كانت تسمع عن هذه الأداة لأول مرة.

 

 

لكن لم يمر سوى عام ونصف العام، قبل أن تعلن هيئة الأوراق المالية والبورصات عن تغريمها بنك "بي إن إس" 115 مليون دولار بسبب قيامه بإخفاء 762 مليون دولار من الأصول والقروض المتعثرة تحت ستار ثلاث منشآت ذات أغراض خاصة. وللأسف بسبب هاتين الحادثتين استقرت هذه المنشآت في أذهان كثيرين باعتبارها كيانات شريرة، الغرض الوحيد منها هو التلاعب بالبيانات المالية وخداع المساهمين.

 

وما زاد الطين بلة، هو أن هذه الكيانات عادت إلى الواجهة مرة أخرى ولكن في ظرف أسوأ تمثل في الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث كانت من بين الأسباب التي دفعت ببنك الاستثمار الأمريكي "ليمان براذرز" ناحية الإفلاس، بعد أن استخدمها في إخفاء جزء كبير من خسائره وإبقائها بعيداً عن قوائمه المالية. وهذه المرة أيضاً لم تكن الأداة نفسها هي المشكلة بل إساءة استخدامها.

 

لكن لكي نفهم كيف يساء استخدام هذه المنشآت من قبل البنوك والشركات، يجب أن نتعرف أولاً على ماهيتها وكيفية عملها والغرض منها أصلاً، وكيف يمكن لها أن تعزز من كفاءة السوق وتوفر للشركات والمستثمرين مجموعة واسعة من الخيارات الاستثمارية المرنة إذا ما استخدمت بشكل صحيح.

 

ما هي؟ وما الغرض منها؟

 

على الرغم من أن طبيعة عمل المنشآت ذات الأغراض الخاصة معقدة إلى حد كبير، إلا أن الفرضية العامة التي تقوم على أساسها هذه المنشآت غاية في البساطة.

 

باختصار، المنشأة ذات الغرض الخاص هي عبارة عن كيان قانوني مستقل عن الشركة المنشئة له – التي نطلق عليها الراعي أو الشركة الراعية – والتي تقوم بدورها بتحويل بعض الأصول إلى هذا الكيان بغرض تنفيذ أنشطة اقتصادية محددة.

 

دوافع إنشاء الشركات الراعية لهذه المنشآت عادة ما تشمل توفير السيولة أو نقل المخاطر أو تجنب الأعباء الضريبية أو تأمين مصادر تمويل رخيصة، ولكن الهدف من ورائها أيضاً قد يكون رغبة الشركة في إخفاء التزاماتها وإظهار قوائمها المالية بوضع أفضل مما هي عليه بالفعل حتى يتثنى للإدارة الحصول على حوافز ومكافآت – لا يستحقونها – على حساب المساهمين.

 

وبشكل عام، من الممكن أن تتخذ المنشآت ذات الأغراض الخاصة واحداً من الأشكال القانونية الثلاثة التالية: الأول هو المشروع المشترك والثاني التأجير الاصطناعي وأخيراً التوريق. وسنوضح الآن كيفية عمل المنشآت ذات الأغراض الخاصة في ظل هذه الأشكال القانونية.

 

 

لنبدأ بالمشروع المشترك: هذا ربما هو النوع الأكثر شهرة من الـ"SPEs". وما يحدث في هذه الحالة هو أنه قد تجتمع شركتان أو أكثر وتتفقان على الاشتراك في مشروع منفصل قانونياً ومالياً عنهما. على سبيل المثال، لنفترض أن هناك شركتي نفط ترغبان في مد خط أنابيب. حينها ستقوم الشركتان بتدشين منشأة ذات غرض خاص لتنفيذ ذلك المشروع عبرها. واعتباراً من تلك اللحظة تصبح المنشأة أو الـ"SPE" هي المالك لأصول والتزامات المشروع.

 

بهذه الطريقة أصبح المشروع كيانا تجاريا منفصلا عن الشركات الراعية، وهو ما يساهم في اجتذاب المستثمرين المحتملين الذين أصبحوا أكثر اهتماماً بالمشروع لأنه بعد أن اتخذ شكل "المنشأة ذات الغرض الخاص" أصبحت تدفقاته النقدية ومخاطره معزولة تماماً عن المخاطر المرتبطة بالشركات الراعية. ببساطة، لو أصبحت الشركة الراعية رماداً لن تتأثر المنشأة ذات الغرض الخاص، لأن هذه هي طبيعة تركيبتها القانونية.

 

لكن لو قامت هذه الشركات بتدشين هذا المشروع في شكل شركة تابعة عادية، سيجد المستثمرون في هذا المشروع أنفسهم معرضين للمخاطر المرتبطة بأنشطة الشركة الأم أو الراعية بالكامل. لهذا يفضل المستثمر عادة المشاريع المصاغة في شكل منشآت ذات أغراض خاصة بسبب طبيعتها المعزولة ووجود معايير واضحة لحجم المخاطرة والعائد المتوقع.

 

في نفس الوقت، تلجأ الكثير من الشركات لاستخدام المنشآت ذات الأغراض الخاصة بغرض نقل المخاطر المشاريع الناشئة. فعلى سبيل المثال، قد ترغب الشركة في تجربة منتج جديد أو دخول سوق جديد، ولكنها في نفس الوقت لا تريد أن تؤثر مخاطر هذه الخطوة على نشاطها الرئيسي. وفي هذه الحالة يكون الحل هو "المنشأة ذات الغرض الخاص".

 

أُذن جحا!

 

هذا بالنسبة للمشاريع المشتركة، لكن كيف تستخدم المنشآت ذات الأغراض الخاصة في إطار عقود التأجير الاصطناعي؟: ببساطة، لنفترض أن الشركة "س" تحتاج إلى استخدام أحد المباني المكتبية لمدة 20 سنة قادمة. وتكلفة المبنى والأرض القائم عليها تبلغ 100 مليون ريال. ولكن الشركة لا تملك هذا المبلغ أو لا ترغب في دفعه مرة واحدة. فما الحل؟

 

ستقوم الشركة بتأسيس منشأة ذات غرض خاص تشتري المبنى، وبضمانه ستقترض المنشأة ما يعادل 90% من القيمة السوقية العادلة للمبنى، بينما سيمتلك الـ10% المتبقية مستثمر خارجي لا علاقة له بالشركة الراعية. هذا المستثمر أصبح يمتلك عملياً 100% من حقوق المساهمين بالمبنى.

 

البعض قد يتساءل، ولماذا هذا اللف؟ لماذا لم تقم الشركة المنشئة للـ""SPE بشراء المبنى بنفسها والاقتراض بضمانه؟ في الحقيقة هناك ثلاثة أسباب تجعل الشركة لا تفضل هذا الخيار. الأول هو أن القرض الذي ستحصل عليه الشركة لتمويل عملية شراء المبنى سيظهر حتماً في قوائمها المالية، وهو ما قد لا تفضله الشركة خصوصاً إذا كان مستوى الديون لديها مرتفعا بالفعل، لأن هذا سيؤثر سلباً على نسبها المالية.

 

 

ببساطة، المنشأة ذات الغرض الخاص تمكن الشركة الضامنة من الاستفادة من المبنى دون أن تضطر لتسجيل الأصل أو الدين في قوائمها المالية، أي أنها أصبحت فعلياً "خارج الميزانية العمومية". وهذه الميزة مهمة جداً لأسهم الشركات العاملة في قطاعات متقلبة والتي عادة ما تكون حساسة للتغيرات التي تعتري نسب مثل الرافعة المالية أو مكرر الربحية.

 

أما السبب الثاني فهو أنه بتدشينها منشأة ذات غرض خاص تجنبت الشركة بشكل ما تدهور جدارتها الائتمانية وهو ما سينعكس على تكلفة أي قروض ستسعى للحصول عليها مستقبلاً. فإذا افترضنا أن الشركة اقترضت بنفسها 90 مليون ريال لشراء المبنى المكتبي، فإنها ستضطر لتسجيل المبلغ في قوائمها المالية إلى جانب ديونها الحالية التي سنفترض أنها تبلغ 80 مليون ريال.

 

هكذا أصبحت الديون الإجمالية للشركة 170 مليون ريال، مقابل 80 مليون ريال فقط في حال تم شراء المبنى عبر "منشأة ذات غرض خاص" لأن القرض البالغ 90 مليون ريال لن يظهر في قوائمها المالية، حيث إن الـ"SPE" كيان منفصل عنها قانونياً. وبالتالي إذا أرادت الشركة أن تحصل على قرض مستقبلاً فستحصل عليه مقابل سعر فائدة أرخص لأن ديونها – على الورق – أقل وبالتالي جدارتها الائتمانية أفضل.

 

أما السبب الثالث والأخير فهو أن التأجير الاصطناعي يتمتع بالعديد من مزايا ما يسمى بـ"التمويل المنظم" وهو عبارة عن هيكل تمويلي يتم فيه فصل الأصول العقارية عن مخاطر إفلاس المالك. وهذه الميزة تجعل هذه المعاملات أكثر جاذبية بالنسبة لأسواق رأس المال وتؤدي إلى خفض التكلفة الإجمالية للتمويل، مما يجعل التأجير الاصطناعي أحد أرخص مصادر التمويل العقاري.

 

التوريق

 

التوريق هو مصطلح ربما يألفه الكثيرون منا، ولكن كيف تتم هذه العملية في إطار المنشآت ذات الأغراض الخاصة؟ ببساطة، تبدأ الشركة التي ترغب في الحصول على التمويل من خلال التوريق بتحديد أصولها التي يمكن استخدامها لجمع الأموال. وعادة ما تكون هذه الأصول عبارة عن حسابات مستحقة.

 

خطر عدم تمكن الشركة المالكة للحسابات المستحقة من جمع هذه الأموال في موعدها يعتبر عاملا مهما جداً في عملية تقييم تلك المستحقات. ولكن ما دام كان باستطاعة الراعي أن يتنبأ بشكل معقول بحجم الأموال التي قد لا يستطيع جمعها في موعدها فيمكنه بيع وتسويق تلك الحسابات في ضوء هذه المخاطر.

 

بعد تحديد الأصول التي ستستخدم في عملية التوريق، يقوم الراعي بتحويل الحسابات المستحقة إلى منشأة ذات أغراض خاصة تم إنشاؤها لهذا الغرض فقط في عملية بيع وشراء كاملة الأركان. وكما أوضحنا سابقاً، الغرض من عملية نقل الأصول هذه هو فصل هذه الأصول عن المخاطر المرتبطة بالشركة الراعية.

 

 

بعد أن انتقلت إليها ملكية الحسابات المستحقة، تقوم المنشأة ذات الغرض الخاص بإصدار أوراق مالية في سوق رأس المال بغرض جمع المال بضمانها. ولكن يجب أن تتم هيكلة المنشأة ذات الغرض الخاص لتشمل خاصية "Bankruptcy Remote" أو "استبعاد الإفلاس" لكي يتم السماح لها بإصدار الأوراق المالية.

 

الغرض من هذه الخاصية هو ضمان عدم تأثر المنشأة ذات الغرض الخاص بإفلاس الشركة الراعية، وهو ما يعزز من جاذبية الأوراق التي تطرحها هذه المنشأة في سوق رأس المال بالنسبة للمستثمرين. باختصار، تمنح هذه الخاصية المستثمرين في المنشأة ذات الغرض الخاص وحدهم حق إجبار المنشأة على إعلان إفلاسها، وفي نفس الوقت تمنع المستثمرين في الشركة الراعية من المطالبة بأي حق في الأصول الواقعة تحت سيطرة الـ" SPE".

 

أكثر من يستفيد من عملية التوريق هي الشركات التي يقع تصنيفها الائتماني دون الدرجة الاستثمارية، والتي تضطر عادة لدفع معدلات فائدة أعلى نسبياً مقابل قروضها. هذه الشركات حين تقوم بنقل حساباتها المستحقة إلى المنشأة ذات الغرض الخاص، تحصل هذه المنشأة بسهولة على الدرجة الاستثمارية – لأنها لا تمتلك سوى أصول ولا يوجد لديها أي التزامات –  وهو ما يمكنها من إصدار الأوراق المالية بمعدلات فائدة تنافسية.

 

جانية أم مجني عليها؟

 

أكبر إشكالية تحيط بالمنشآت ذات الأغراض الخاصة هي أنها تسمح لمديري الشركات عديمي الضمير بزيادة ديون الشركة وإخفائها بعيداً عن أعين المساهمين الذين يصبح من الصعب عليهم فك شفرة التركيبة الحقيقية لهيكل رأس المال، كما حدث في حالة "إنرون" التي اكتشف مساهموها لاحقاً وبعد فوات الأوان أنها أنشأت ثلاثة آلاف منشأة ذات غرض خاص تم استخدامها في إخفاء الخسائر والديون!

 

 

لكن نعود مرة أخرى ونؤكد أن المنشآت ذات الأغراض الخاصة لا تمثل في حد ذاتها مشكلة، وإنما المشكلة في إساءة استخدامها من قبل البعض. فكما أوضحنا بإمكان هذه المنشآت أن تساعد الشركات على الحصول على تمويل رخيص أو حماية نفسها من مخاطر فشل المشاريع الجديدة غير المستقرة.

 

أخيراً، حين تذكر الـ" SPEs" تقفز إلى أذهان الجميع مباشرة فضيحة "إنرون" وهذا ربما من سوء حظ هذه الأداة، ولكن يجب أن ندرك أن المنشآت ذات الأغراض الخاصة موجودة في مختلف الأسواق العالمية وتستخدم من قبل الكثير من الشركات الكبرى لمصلحة المساهمين.الأمر لا يتطلب سوى يقظة المستثمرين والجهات التنظيمية.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة