نبض أرقام
10:00
توقيت مكة المكرمة

2024/05/20
2024/05/19

بنجلاديش بلد الفقر والمجاعات؟.. حدّث معلوماتك وأعد النظر في قناعاتك

2019/01/26 أرقام - خاص

يبدو أن الصورة الذهنية التقليدية المرتبطة بدولة بنجلاديش بوصفها أحد أفقر بلدان العالم والأكثر احتياجًا في سبيلها للتراجع والاندحار كثيرًا خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل تحقيق الدولة الآسيوية معدلات نمو لافتة خلال الفترة الأخيرة، تمهد لنقلها لمصاف النمور الصاعدة.
 

فقد شهدت الدولة الآسيوية تحقيق ثاني أعلى معدلات النمو في العالم خلال عام 2017، بتسجيلها توسعا اقتصاديا بنسبة 7.3%، بالمقارنة مع 7.1% عن 2016، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، بينما تشير التوقعات لنسب نمو متصاعدة عن 2018 (7.83% حتى النصف الثاني) وعن العام الحالي وربما لأعوام مقبلة أيضًا، بعدما سجلت متوسطًا يفوق 6% خلال العقد الأخير.



 

دولة نامية وليست أقل نموًا
 

ولذلك استقبلت الدولة تقديرات الأمم المتحدة بخروجها من فئة "الدول الأقل نموًا" إلى فئة "الدول النامية" بحلول عام 2024 باحتفال كبير، واعتبرته الحكومة حينها –في بداية 2018- مؤشرًا على تغير "النظرة العالمية" للبلاد بما سيسهم في المزيد من التشجيع للتوسع هناك، بعد معاناة اقتصادية طويلة.
 

فمنذ استقلال الدولة عام 1971 اشتهرت بتسجيلها أدنى معدلات النمو الاقتصادي، بينما هي محاطة بدول تحقق معدلات نمو لافتة، كما عانت من انتشار الظواهر المرتبطة بالفقر بشكل عام، مثل المجاعات وتدني مستويات التعليم والبنية التحتية، وجاءت باستمرار بين الدول العشر الأقل من حيث مستوى دخل الفرد حتى بداية الألفية الحالية.
 

وتآزرت عوامل عدة لتحسين موقف الدولة الآسيوية اقتصاديًا، ولعل أهمها إقرار الحكومة في عام 2009 لبرنامج "ديجيتال بنجلاديش" (بنجلاديش الإلكترونية)، في محاولة منها للاتصال بصورة أوثق بالاقتصاد العالمي، وبناء على ذلك تم تدريب عشرات الآلاف –بصورة مبدئية- على الوظائف المرتبطة بالإنترنت والاتصالات والفضاء الإلكتروني بشكل عام.
 

وحقق هذا البرنامج نجاحًا كبيرًا، ووصل الأمر إلى اعتبار دراسة لـ"أوكسفورد" بنجلاديش بمثابة ثاني أكثر دول العالم ضمًا للوظائف التكنولوجية والمتعلقة بالاتصالات بنسبة 18% من تلك الوظائف حول العالم، لتلي الهند فقط والتي تستحوذ على ربع وظائف هذا المجال.
 

كما اهتمت الحكومة بتوفير الاتصال بالإنترنت، فبعدما لم تتعدَّ نسبة هؤلاء القادرين على الاتصال بالشبكة العنكبوتية 20% قبل عقد من الزمان، وصلت إلى 90% حاليًا، لتكون من بين أعلى النسب حول العالم وليس في آسيا فحسب.

 

 

كما ضاعفت الحكومة سرعات الإنترنت في البلاد من خلال كابل بحري إضافي بجانب الكابل الأصلي، ومدت آلاف الكيلومترات من كابلات الـ"فايبر أوبتيك" سريعة الاتصال بالإنترنت للوصول لأفضل خدمة ممكنة ولتوفير البنية التحتية اللازمة للازدهار في صناعات التكنولوجيا والاتصالات.
 

توازن
 

وكان لتلك السياسات نتائجها الإيجابية، ومنها مثلًا أن معدلات إجراء البنجال للمعاملات المالية الإلكترونية تصل إلى 34% لعام 2017، وفقًا لتقرير للبنك الدولي، بينما لا تتعدى النسبة نفسها 28% في دول جنوب شرق آسيا (الأكثر تقدمًا من الناحية الاقتصادية بالطبع)، بما يؤشر على اندماج بنجلاديشي أكثر سرعة في الاقتصاد المعاصر.
 

ولعمل توازن في النمو، ولعدم اقتصاره على الصناعات التكنولوجية، الهامة للغاية، ولكن نموها وحيدة يجعل الاقتصاد غير متوازن وثمار التنمية محصورة في أيدي أقلية، وضعت الحكومة برنامجا لتشجيع صناعة الملابس، بهدف تصدير ما قيمته 39 مليار دولار خلال العام الجاري.
 

وبالفعل تمكنت الحكومة من تصدير ملابس بـ37.4 مليار في عام 2018، بما يجعل تحقيق مثل هذا الرقم المستهدف أمرًا محتملًا للغاية خلال 2019، لا سيما في ظل البرامج الحكومية التي تشجع الصناعة بشقيها اليدوي والمميكن.
 

وتأتي بنجلاديش في المركز الثاني عالميا في قائمة مصدري الملابس، بعد العملاق الصيني بالتأكيد، الذي يتصدر بنسبة 44% من الصادرات في العالم، تليه بنجلاديش بـ8%، ويتميز هذا القطاع بشكل عام بأنه كثيف الاستخدام للعمالة، حيث يقدَّر عدد العاملين فيه بحوالي 20 مليون شخص تقريبًا.
 

ناتج محلي يتضاعف
 

وأسهمت تلك السياسات في الاعتماد على مزيج من الصناعات التكنولوجية من جانب وكثيفة الاستخدام للعمالة من جانب آخر في تراجع عدد هؤلاء الذين يعانون الفقر المدقع، أو يعيشون بأقل من دولار وربع سنويًا، من 19% عام 2009، إلى 9% عام 2018، فيما يعكس انتشارًا واسعًا لثمار النمو، خلافًا لتجارب اقتصادية أخرى تحصد فئة صغيرة تلك الثمار، وفقا لتقديرات البنك الدولي.


 

وعلى الرغم من الأثر الإيجابي لصناعة الملابس في تقليص الفقر في بنجلاديش، فإن منظمة "أوكسفام" (التحالف الدولي للجمعيات الخيرية) تقدر أن عمال هذا القطاع لا يحصلون إلا على 2% من قيمة بيع الملابس في أستراليا مثلا، وهي نسبة بين الأقل في العالم، بما يعكس الحاجة لتحسين توزيع الدخل في هذا المجال، بما سيؤدي للمزيد من الخفض في مستويات الفقر بطبيعة الحال.
 

وبشكل عام آتت تلك السياسات أكلها، فوفقًا لبيانات البنك الدولي، تضاعف معدل دخل الفرد خلال السنوات العشر الأخيرة 3 مرات، ليصل إلى 1750 دولارا في العام، بما يضع الدولة في المركز 139 على مستوى العالم، من أصل أكثر من مائتي دولة، بما يوضح الصعود الكبير في سلم الدخل مقارنة بالمراكز العشرة الأخيرة قبل ذلك.
 

وبشكل عام أصبح النمو في بنجلاديش أكثر استقرارًا بعد أن وصلت نسبة الناتج الصناعي إلى 30% من الناتج الاقتصادي، بينما لم تتعدَّ النسبة 7% لدى استقلال البلاد 1971، ومن المؤكد أنه يمكن الاعتماد عليه أكثر من الزراعي أو المعتمد على المواد الأولية.
 

بل وتتوقع دراسة لبنك "إتش.إس.بي.سي" مواصلة بنجلاديش معدلات نموها العالية خلال الأعوام المقبلة، حتى إنه يقدر أنها ستصبح الاقتصاد السادس والعشرين على العالم من حيث الحجم بحلول عام 2030، بدلًا من موقعها الحالي الثاني والأربعين، وستتخطى في طريقها دولًا مثل ماليزيا والفلبين.
 

وتقدر الدراسة نفسها نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى قرابة 700 مليار دولار عام 2030، بينما لا يبلغ الرقم نفسه 300 مليار في عام 2018، بما يعكس رؤية إيجابية للغاية –من قبل البنك- وتقديره لقدرة الاقتصاد على النمو بأكثر من الضعف خلال عقد من الزمان تقريبًا، بما دفع لوصفها بـ"النمر القادم" اقتصاديًا.
 

استقرار وفرص
 

ويلاحَظ هنا الاختلاف بين مركز بنجلاديش في مستوى دخل الفرد عالميًا، وبين ترتيب حجم ناتجها الإجمالي، وذلك يعود لكبر عدد السكان الذين يقدَّرون بحوالي 165 مليون نسمة (2017).
 

وللعمل على توزيع أفضل للموارد أقرت بنجلاديش برامج للحد من الزيادة الكبيرة في السكان أسهمت في تقليصها إلى مستوى 1.1% سنويًا، في مواجهة استمرارها عند مستوى 2% مثلًا في باكستان المجاورة، بما أسهم في تحسين دخل الكثير من الأسر الأشد فقرًا (بالتوازي مع السياسات الاقتصادية بالطبع).

 

 

واللافت أن مؤشرات الدخل لم تتحسن بمعزل عن باقي مؤشرات الحياة الأخرى، ومنها وصول متوسط الأعمار إلى 72 عامًا، بينما يصل في الهند إلى 68 عامًا، وفي باكستان إلى 66 عامًا، في مؤشر على تحسن واضح للخدمات الصحية، حيث لم يتعدَّ معدل الأعمار في بنجلاديش 62 عامًا قبل عقد من الزمان تقريبًا.
 

وعلى الرغم من المخاوف المتعلقة بتراجع الاقتصاد العالمي المرحلة المقبلة، فإن طبيعة المجالات التي تتفوق فيها بنجلاديش قد تجعل في الأمر فرصة أكثر منه تحديا، حيث تتجه الدول المتقدمة إلى نقل المزيد من الصناعات إلى الدول النامية، ولا سيما في مجالات مثل التكنولوجيا والملابس اللذين تتفوق فيهما "دكا" وقام عليهما نموها الاقتصادي الحالي.
 

لذا فعلى الرغم من استمرار وجود تحديات كبيرة وانتشار مظاهر الفقر في العديد من أنحاء البلاد، فإن بنجلاديش حققت "معجزة" اقتصادية بكل تأكيد، وتبقى السنوات القليلة القادمة كفيلة باختبار إمكاناتها ومدى قدرتها على الاستمرار من عدمه.         

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة